سورية- من دولة نفط إلى مركز عالمي للكبتاجون
المؤلف: محمد الساعد10.24.2025

يا له من لغز عظيم! كيف لنظام يمتلك المقدرة على إنتاج النفط وتصديره إلى جميع أنحاء العالم، أن يتخلى عن هذه الثروة النفيسة وينخرط في إنتاج الكبتاجون، ليتحول من دولة منتجة للطاقة وذات تأثير بالغ في الأسواق العالمية إلى أكبر تاجر للمواد المخدرة عرفه التاريخ البشري؟
تشير التقارير النفطية الموثوقة إلى أن حجم إنتاج سوريا من النفط يبلغ حوالي نصف مليون برميل يومياً، وهذه الكمية قابلة للزيادة والتطوير بشكل ملحوظ إذا ما تم التعاون المثمر مع شركات نفطية غربية رائدة ومتطورة في مجال استخراج النفط، ليصل الإنتاج إلى ما يقارب الكمية الحالية، هذا فضلاً عن وجود احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي المحتمل وجودها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبحساب متوسط أسعار اليوم (70 دولاراً للبرميل الواحد)، فإن الدخل السنوي المتوقع لسوريا كان سيبلغ حوالي 12 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعني تحقيق دخل قومي مرتفع، واقتصاداً نشطاً وحيوياً، وتنمية شاملة وممتازة، بالإضافة إلى تحسين مستوى دخل الأفراد، وتعديل سعر صرف العملة المحلية، وخفض معدلات التضخم المالي.
هذا الدخل المالي المرتفع الذي كان سيساهم بشكل فعال ومباشر في تحسين وتطوير الاقتصاد السوري، والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، وتحديث وتطوير البنية التحتية المتهالكة والقديمة، قد أضاعه النظام السياسي السابق بسبب سوء إدارته للأزمة الطاحنة التي واجهها، وبسبب تحميله إخفاقاته المتراكمة على تلك الأزمة.
لكن الحقيقة المرة هي أن سوء إدارة النظام لموارد الطاقة في البلاد يرجع إلى فترة ما قبل أحداث عام 2011م، وعند الحديث عن تجارة المخدرات المحرمة التي ازدهرت بشكل ملحوظ في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، يجب الإشارة والتأكيد على أن هذه التجارة المشبوهة ليست وليدة أحداث الاحتجاجات الصاخبة والعارمة التي شهدتها المدن السورية المختلفة بعد عام 2011م، ففي تقرير سابق لصحيفة «دير شبيغل الألمانية» المرموقة نشر في شهر يونيو من عام 2022، خلص التقرير إلى أنه «يبدو جلياً أن نظام بشار الأسد متورط بشكل عميق وواسع في تجارة المخدرات الصناعية، وقد عثر المحققون الألمان على أدلة دامغة تثبت أن الرئيس السوري يقوم بتمويل حكمه بأموال المخدرات غير المشروعة»، وذلك بحسب ما ورد في التقرير.
ونقلت الصحيفة الألمانية في هذا السياق تصريحات للمبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جوييل رايبورن، والذي أكد فيها على أن نظام الأسد لن يتمكن من البقاء والاستمرار بدون عائدات الكبتاجون الهائلة، مشيراً إلى أن الأسد وعائلته المقربين يتحكمون بشكل مباشر وكامل في هذه التجارة المحرمة والمشبوهة. كما ذكرت الصحيفة أسماء مجموعة من الشخصيات التي يعتقد بضلوعها وتورطها في هذه التجارة القذرة.
علاوة على ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم على الاحتجاجات الشعبية في استخدام المخدرات في تمويل النظام الحاكم، إذ تشير تقارير صحفية أخرى موثوقة، إلى أن قيادات أمنية وسياسية رفيعة المستوى كانت مقربة من النظام السوري خلال فترة الثمانينات الميلادية قد قادت بنفسها تجارة المخدرات والسلاح، وحولت سوريا إلى مركز رئيسي لهذه التجارة غير المشروعة.
تجارة الكبتاجون تحديداً، والتي اشتكى منها العالم أجمع خلال العقد الماضي، قد ازدهرت بشكل متسارع ومذهل على يد مسؤولين كبار في نظام بشار الأسد، وهو ما جعل من سوريا مركزاً عالمياً لتصنيع وترويج المخدرات الصناعية، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى رفع مستوى حربها ضد هذه التجارة المشبوهة، وذلك بسبب الكميات الهائلة من المخدرات التي كان يغرق بها النظام السوري محيطه العربي والإقليمي، بالإضافة إلى الدول الأوروبية.
الأمر الغريب والمدهش هو أن النظام السابق، الذي كان يمتلك ثروات نفطية هائلة بالإضافة إلى موارد طبيعية أخرى وفيرة، قد استبدل هذه الثروات بالانخراط في تجارة المخدرات، على الرغم من أن هذه الثروات كان يمكن أن تدر عليه أضعاف العوائد التي يجنيها من تجارة المخدرات، كما أنه لم يستخدم هذه الثروات في تحقيق التنمية والازدهار في البلاد، ولا حتى كوسيلة للضغط أو التفاوض مع الدول الكبرى خلال صراعه العنيف من أجل البقاء والاستمرار في السلطة، بينما استخدم المخدرات كوسيلة للضغط والابتزاز وفرض النفوذ.
إذن، ما الذي يدفع نظاماً سياسياً للانغماس في تجارة محرمة دولياً وملاحقة قانونياً وسيئة السمعة على جميع المستويات، في حين أنه يمتلك الإمكانات والقدرات اللازمة لجلب الأموال إلى خزينته بطرق شرعية وقانونية ودون الدخول في مخاطرات كبرى؟ فمع الأزمة الداخلية العميقة التي تعصف بالبلاد، كان من المفترض أن يسعى النظام إلى تحسين علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي، وأن يتجنب استعداء العالم ضده، بل وأن يجعل من النفط أداة بناء وحل للأزمات بدلاً من استخدام المخدرات كأداة للدمار والتخريب.
لقد استخدم نظام بشار الأسد الكبتاجون كسلاح فتاك يغزو به العالم الخارجي ويعاقبه على فشله الذريع في الداخل، كما أنه لم يكن النظام الأول الذي يخضع لعقوبات اقتصادية دولية قاسية، فقد سبقته دول أخرى مثل العراق وليبيا، ومع ذلك تمكنت هذه الدول من التحايل على تلك العقوبات من خلال عقود من الباطن أو بناء شراكات استراتيجية أو حتى بيع النفط في السوق السوداء، وهو ما يشير بوضوح إلى إمكانية تحقيق مداخيل مالية كبيرة بعيداً عن تجارة المخدرات المشبوهة، ودون التورط في ما يطلق عليه جريمة منظمة يقودها نظام حاكم تلطخت سمعته إلى الأبد.
تشير التقارير النفطية الموثوقة إلى أن حجم إنتاج سوريا من النفط يبلغ حوالي نصف مليون برميل يومياً، وهذه الكمية قابلة للزيادة والتطوير بشكل ملحوظ إذا ما تم التعاون المثمر مع شركات نفطية غربية رائدة ومتطورة في مجال استخراج النفط، ليصل الإنتاج إلى ما يقارب الكمية الحالية، هذا فضلاً عن وجود احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي المحتمل وجودها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبحساب متوسط أسعار اليوم (70 دولاراً للبرميل الواحد)، فإن الدخل السنوي المتوقع لسوريا كان سيبلغ حوالي 12 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعني تحقيق دخل قومي مرتفع، واقتصاداً نشطاً وحيوياً، وتنمية شاملة وممتازة، بالإضافة إلى تحسين مستوى دخل الأفراد، وتعديل سعر صرف العملة المحلية، وخفض معدلات التضخم المالي.
هذا الدخل المالي المرتفع الذي كان سيساهم بشكل فعال ومباشر في تحسين وتطوير الاقتصاد السوري، والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، وتحديث وتطوير البنية التحتية المتهالكة والقديمة، قد أضاعه النظام السياسي السابق بسبب سوء إدارته للأزمة الطاحنة التي واجهها، وبسبب تحميله إخفاقاته المتراكمة على تلك الأزمة.
لكن الحقيقة المرة هي أن سوء إدارة النظام لموارد الطاقة في البلاد يرجع إلى فترة ما قبل أحداث عام 2011م، وعند الحديث عن تجارة المخدرات المحرمة التي ازدهرت بشكل ملحوظ في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، يجب الإشارة والتأكيد على أن هذه التجارة المشبوهة ليست وليدة أحداث الاحتجاجات الصاخبة والعارمة التي شهدتها المدن السورية المختلفة بعد عام 2011م، ففي تقرير سابق لصحيفة «دير شبيغل الألمانية» المرموقة نشر في شهر يونيو من عام 2022، خلص التقرير إلى أنه «يبدو جلياً أن نظام بشار الأسد متورط بشكل عميق وواسع في تجارة المخدرات الصناعية، وقد عثر المحققون الألمان على أدلة دامغة تثبت أن الرئيس السوري يقوم بتمويل حكمه بأموال المخدرات غير المشروعة»، وذلك بحسب ما ورد في التقرير.
ونقلت الصحيفة الألمانية في هذا السياق تصريحات للمبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جوييل رايبورن، والذي أكد فيها على أن نظام الأسد لن يتمكن من البقاء والاستمرار بدون عائدات الكبتاجون الهائلة، مشيراً إلى أن الأسد وعائلته المقربين يتحكمون بشكل مباشر وكامل في هذه التجارة المحرمة والمشبوهة. كما ذكرت الصحيفة أسماء مجموعة من الشخصيات التي يعتقد بضلوعها وتورطها في هذه التجارة القذرة.
علاوة على ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم على الاحتجاجات الشعبية في استخدام المخدرات في تمويل النظام الحاكم، إذ تشير تقارير صحفية أخرى موثوقة، إلى أن قيادات أمنية وسياسية رفيعة المستوى كانت مقربة من النظام السوري خلال فترة الثمانينات الميلادية قد قادت بنفسها تجارة المخدرات والسلاح، وحولت سوريا إلى مركز رئيسي لهذه التجارة غير المشروعة.
تجارة الكبتاجون تحديداً، والتي اشتكى منها العالم أجمع خلال العقد الماضي، قد ازدهرت بشكل متسارع ومذهل على يد مسؤولين كبار في نظام بشار الأسد، وهو ما جعل من سوريا مركزاً عالمياً لتصنيع وترويج المخدرات الصناعية، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى رفع مستوى حربها ضد هذه التجارة المشبوهة، وذلك بسبب الكميات الهائلة من المخدرات التي كان يغرق بها النظام السوري محيطه العربي والإقليمي، بالإضافة إلى الدول الأوروبية.
الأمر الغريب والمدهش هو أن النظام السابق، الذي كان يمتلك ثروات نفطية هائلة بالإضافة إلى موارد طبيعية أخرى وفيرة، قد استبدل هذه الثروات بالانخراط في تجارة المخدرات، على الرغم من أن هذه الثروات كان يمكن أن تدر عليه أضعاف العوائد التي يجنيها من تجارة المخدرات، كما أنه لم يستخدم هذه الثروات في تحقيق التنمية والازدهار في البلاد، ولا حتى كوسيلة للضغط أو التفاوض مع الدول الكبرى خلال صراعه العنيف من أجل البقاء والاستمرار في السلطة، بينما استخدم المخدرات كوسيلة للضغط والابتزاز وفرض النفوذ.
إذن، ما الذي يدفع نظاماً سياسياً للانغماس في تجارة محرمة دولياً وملاحقة قانونياً وسيئة السمعة على جميع المستويات، في حين أنه يمتلك الإمكانات والقدرات اللازمة لجلب الأموال إلى خزينته بطرق شرعية وقانونية ودون الدخول في مخاطرات كبرى؟ فمع الأزمة الداخلية العميقة التي تعصف بالبلاد، كان من المفترض أن يسعى النظام إلى تحسين علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي، وأن يتجنب استعداء العالم ضده، بل وأن يجعل من النفط أداة بناء وحل للأزمات بدلاً من استخدام المخدرات كأداة للدمار والتخريب.
لقد استخدم نظام بشار الأسد الكبتاجون كسلاح فتاك يغزو به العالم الخارجي ويعاقبه على فشله الذريع في الداخل، كما أنه لم يكن النظام الأول الذي يخضع لعقوبات اقتصادية دولية قاسية، فقد سبقته دول أخرى مثل العراق وليبيا، ومع ذلك تمكنت هذه الدول من التحايل على تلك العقوبات من خلال عقود من الباطن أو بناء شراكات استراتيجية أو حتى بيع النفط في السوق السوداء، وهو ما يشير بوضوح إلى إمكانية تحقيق مداخيل مالية كبيرة بعيداً عن تجارة المخدرات المشبوهة، ودون التورط في ما يطلق عليه جريمة منظمة يقودها نظام حاكم تلطخت سمعته إلى الأبد.
